الأجزاء : 1الموضوع : روايات
السنة : 2024
الطبعة : الأولى
القياس : 14*22
عدد الصفحات : 218
اللغة : العربية
كنت أعرف أنّ الإنسان ينزِع دائمًا إلى حالة من الإشباع النّفسي، ليُداري الخواء والضّجر الذي يتربّص حياته ووجوده على هذه الأرض. وقد يكون هذا الإشباع وَهْمًا أو عقيدة دينية أو مُثلاً عليا أو نِضالاً أو إفراطًا في اللّذائذ والشّهوات.
وقد كان شغفي بالحياة يحرق الأخضر واليابس. وكنت أهرب من نفسي ومن خيبة الصّباحات الحزينة، لأُشْبِع رغباتي في جنون اللّيل وأستمتع برؤية النّاس، وهي تنزِع قناع النّهار، وتتجاوز الأخلاق والمعايير، وتُجرّب الممْنوع، وتدوخ لتشعر بالأمان، وتحرق الأضواء الحمراء، وتركب خيولها الجامِحة، وتُبذِّر الأموال، وتقبض على تلابيب الرّغبة بكلّ شراهة حتّى تبلغ مُنْتهى شِدّتها وكثافتها، وتفرح وتبكي، وتتضرّع للّيل كي لا ينتهي وللزّجاجة كي لا تفرغ.
فأحببتُ الخروج من الطّرق المُعبّدة. وصرت أحتاج لبعض الجنون في حياتي، ولتلك المتعة العارمة التي نشعر بها عند ركوب المخاطر. هو نفس الجنون ونفس المتعة اللذين جعلا جوقة العزف على ظهر باخرة ‘تيتانيك‘، وهي على مشارف الغرق والهلاك، تسترسل في أداء وُصْلاتٍ موسيقية جميلة.
كنت أُدْرِك أنّ شغفي بالحياة سيقتلني. لأنّني لا أريد أن أُحْشَر في صفّ النِّعاج، ولا أريد أن أموت غبيّة. بل أريد أن أنبش السّماء والأرض قبل أن يُهيلوا على جسدي التّراب.
العُمْرُ قصيرٌ يا رفيف. وأنا لا تزال عندي فرحةُ العَيْش وسُعار الحياة ووُرودٌ في قلبي.
...فمنْ يوقِف نزيف هذا الجسد؟ أنا الأنثى، أحملُ نهديّ على صدري. أمشي عارية في ليلةٍ مُقْمِرة، وجسمي مُثْخَنٌ بالجراح. يَسْفَعُ جلدي ضوءُ النّجوم وسناءُ القمر. أُغْلِقُ عينيّ، أرفعُ رأسي، أُفْرِدُ ذراعيّ إلى السّماء وأسيرُ في اتِّجاه الأفق البعيد حتّى تبتلعني الأبعاد.
شكراُ لمشاركتك بمراجعة و تقييم الكتاب
سيتم مراجعة مراجعتك قبل نشرها للتأكد من مطابقتها لشروط و أنظمة الموقع